من التهميش إلى المشاركة: كيف يُشكِّل التمكين جوهر التنمية الحقيقية؟
من التهميش إلى المشاركة: كيف يُشكِّل التمكين جوهر التنمية الحقيقية؟
بقلم د/ محمد ممدوح عبدالله
رئيس قطاع تطوير الجمعيات الأهلية / مؤسسة مصر الخير
يُعد التمكين آليه وهدف محورياً في عملية التنمية، بل يُمكن اعتباره جوهرها ومؤشراً على نجاحها. فالتنمية الحقيقية لا تقتصر على النمو الاقتصادي فحسب، بل تشمل تحسين جودة الحياة، خاصة للفئات الأقل حظا في الوصول إلى الموارد والفرص، مثل الفقراء والفئات المهمشة (المرأة والشباب والأطفال وكبار السن). ومن هنا، يصبح التمكين أداة حيوية لتحقيق العدالة الاجتماعية والوصول الي التنمية المستدامة.
ماذا نقصد بالتمكين؟
التمكين يعني منح الأفراد والمجتمعات الأدوات والمهارات وتهيئة البيئة لزيادة قدرتهم علي الوصول علي الفرص والموارد التي تمكنهم من التحكم في حياتهم واتخاذ القرارات التي تؤثر عليهم إيجابياً. وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفقر، حيث يساعد التمكين الفئات المهمشة على المشاركة الفاعلة في التنمية والاستفادة من عوائده في تحسين حياتهم للافضل.
مستويات وأنواع التمكين:
يمكن تقسيم التمكين إلى عدة مستويات وأنواع، منها:
1) التمكين الذاتي:
يتعلق بتطوير قدرات الأفراد من خلال التعليم والتدريب ورفع الوعي بما يمتلكون من مهارات وقدرات يمكن أن تحدث فارق في حياتهم
مثال: برامج محو الأمية أو التدريب المهني للشباب.
2) التمكين الاقتصادي:
يتمثل في توفير فرص العمل والمشروعات الصغيرة وتمويل المشروعات متناهية الصغر وتيسير الوصول اليه.
مثال: القروض الصغيرة للنساء لبدء مشاريع تجارية.
3) التمكين الاجتماعي والسياسي:
يشمل تعزيز المشاركة في الحياة العامة وفي اتخاذ القرارات.
مثال: زيادة تمثيل المرأة في البرلمانات والمجالس المحلية.
آليات تحقيق التمكين:
لتحقيق التمكين الفعّال، يجب اتباع آليات واضحة، مثل:
1) سياسات شاملة: تبني استراتيجيات واضحة لتمكين الفئات المهمشة في الخطط التنموية.
2) التعليم والتدريب: توفير برامج تعليمية وتأهيلية تلبي احتياجات السوق.
3) التمويل الداعم: إنشاء صناديق تمويل للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
4) المشاركة المجتمعية: إشراك الفئات المستهدفة في صنع القرارات التي تخصهم.
وفي مصر، تُعد رؤية 2030 إطاراً مهماً لتعزيز التمكين، حيث تشير وثيقة الرؤية الي:
1) التمكين الاقتصادي: دعم المشروعات الصغيرة وتوفير فرص العمل.
2) التمكين الاجتماعي: تحسين الخدمات الصحية والتعليمية للفئات المهمشة.
3) التمكين السياسي: تعزيز مشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة.
نقد إدارة التنمية المعاصرة من منظور التمكين:
رغم التقدم العالمي في مؤشرات التنمية العالمية، فإن العديد من البرامج التنموية في أنحاء العالم افتقرت إلى تطبيق مفهوم التمكين بشكل جيد، حيث ركزت على النمو الاقتصادي دون معالجة الفجوات الاجتماعية. فمثلاً:
1) الاستبعاد الاجتماعي: استمرار تهميش المرأة والفقراء في بعض المجتمعات.
2) عدم المساواة في الفرص: تفاوت الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية بين الفئات المختلفة.
3) غياب المشاركة الفعالة: اقتصار التنمية على النخب دون إشراك الفئات الضعيفة في التخطيط.
حيث يرتبط التمكين ارتباطاً وثيقاً بأهداف التنمية المستدامة (SDGs)، خاصة الهدف الأول (القضاء على الفقر) والهدف الخامس (المساواة بين الجنسين) والهدف العاشر (الحد من عدم المساواة).
معوقات تطبيق التمكين في خطط التنمية:
1) المعوقات الهيكلية والسياسية
- غياب الإرادة السياسية: عدم تبني الكثير من الحكومات حول العالم لسياسات واضحة تدعم التمكين، أو اقتصارها على خطابات دون تنفيذ فعلي.
- الفساد الإداري والمالي: تحويل الموارد المخصصة لبرامج التمكين إلى قنوات غير مستهدفة، مما يُضعف تأثيرها وخاصة في ظل ما يمر به الاقتصاد العالمي من أزمات.
- القوانين المقيدة : وجود تشريعات تعيق مشاركة الفئات المهمشة (مثل النساء والشباب) في الاقتصاد أو الحياة السياسية.
2) المعوقات الاقتصادية:
- نقص التمويل: عدم تخصيص ميزانيات كافية لبرامج التمكين أو الاعتماد على تمويل خارجي غير مستدام.
- البطالة وضعف الفرص الاقتصادية: صعوبة وصول الفئات المهمشة إلى سوق العمل أو التمويل اللازم لبدء مشاريعهم.
- التوزيع غير العادل للثروة: تركيز الموارد في أيدي فئة محدودة، مما يزيد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
3) المعوقات الاجتماعية والثقافية
- الأعراف والتقاليد المجتمعية: بعض الثقافات تُقيد دور المرأة أو الشباب في صنع القرار، مما يعيق تمكينهم.
- التهميش المجتمعي: النظرة الدونية لبعض الفئات (مثل ذوي الإعاقة أو كبار السن) تحد من مشاركتهم الفعالة.
- الأمية وضعف الوعي: انخفاض مستوى التعليم والوعي المجتمعي بأهمية التمكين يُضعف المطالبة به.
4) المعوقات المؤسسية والتخطيطية
- ضعف التنسيق بين الجهات المعنية: غياب التكامل بين الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني في تنفيذ برامج التمكين.
- غياب الرؤية الاستراتيجية: عدم وجود خطط طويلة المدى لضمان استمرارية برامج التمكين بعد انتهاء الدعم المبدئي.
- عدم مشاركة الفئات المستهدفة في التخطيط: تصميم برامج تمكين دون إشراك الفئات الضعيفة في وضعها يؤدي إلى عدم ملاءمتها لاحتياجاتهم.
5) المعوقات الفردية والنفسية:
- انعدام الثقة بالنفس: بعض الفئات المهمشة تعاني من تدني احترام الذات بسبب التهميش المزمن، مما يُصعب عملية تمكينهم.
- الخوف من التغيير: مقاومة الأفراد للتخلي عن الأدوار التقليدية التي اعتادوا عليها .
- نقص المهارات: عدم توفر التدريب الكافي لتمكين الأفراد من الاستفادة من الفرص المتاحة.
كيفية التغلب على هذه المعوقات؟
لضمان نجاح استراتيجيات التمكين، يجب:
✔ تعزيز الشفافية والحوكمة في إدارة الموارد.
✔ إشراك الفئات المستهدفة في صنع القرارات التي تخصهم.
✔ توفير بيئة تشريعية داعمة لإزالة العوائق القانونية.
✔ زيادة الاستثمار في التعليم والتدريب لبناء القدرات.
✔ تعزيز الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
خاتمة
رغم أهمية التمكين في تحقيق تنمية مستدامة، إلا أن تطبيقه يواجه تحديات متعددة تتطلب حلولاً شاملة تعالج الأسباب الجذرية للتهميش. بدون معالجة هذه المعوقات، ستظل تقف امام جهود التنمية وتجعلها غير كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية المنشودة.