في يومها العالمي .. المرأة و سنوات من النضال
الأحد 5-3-2023 بقلم : ياسر بدري يحتفل العالم يوم الثامن من مارس من كل عام باليوم العالمى للمرأة و ذلك اعترافا بدورها البارز فى النهوض بالمجتمعات، فيوم المرأة العالمي ليس مجرد يومٍ لتهنئة المرأة، ولكن هو يومٌ نقدر فيه مكانتها في العالم، وأدوارها المتعددة التي أدّتها وجهودها التي بذلتها لبناء نفسها وعائلتها ومجتمعها ووطنها، هو يومٌ نعود فيه لنتذكر فيه إنجازاتها في جميع المجالات والمحافل، وبصماتها التي تركتها على جميع الأصعدة. و يُرمز للاحتفال باليوم العالمي للمرأة برسمة أنثى مصحوبًا بالألوان الأرجواني والأخضر والأبيض، حيث يشير اللون الأرجواني إلى الكرامة والعدالة والأخضر للأمل والأبيض يشير إلى النقاء، وقد نشأت تلك الألوان من الاتحاد النسائي الاجتماعي والسياسي في المملكة المتحدة عام 1908. ويعود السبب في اختيار الثامن مارس ليكون بوما عالميا للمرأة إلى أحداث عام 1907 وفى ظل الزيادة السكانية والثورة الصناعية وما صحبها من سلبيات وتسلط ظهرت حركة احتجاج بين النساء فى مدينة نيويورك وأخذت الحركة تجوب شوارع نيويورك بأعداد غفيرة معبرين عن رفضهن للظلم وعدم المساواة وحاجتهن إلى المشاركة الإيجابية فى مجتمعاتهن، و المطالبة بحقهنّ في العمل ضمن بيئة أفضل، وتحسين أجورهن بالإضافة إلى حقهن في التصويت لصالح أي قرار فيه خدمة لمصلحتهن، وكان يحملن فى أيديهن قطع من الخبز الجاف للتعبير عن حقهن فى الأمان الاقتصادى والورود للرمز إلى رغبتهن فى جودة حياة أفضل. وعلى أثر هذه الاحتجاجات قام الحزب الاشتراكى الأمريكى بتخصيص آخر أحد من شهر فبراير للاحتفال باليوم الوطنى للمرأة الأمريكية، و تبنى الحزب حقوق المرأة من ضمن حملته، وقام بتسليط الضوء عليه أثناء الاجتماعات الجماهيرية التي كان يقوم بها في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ثم تحول يوم الاحتفال ليكون 28 فبراير فى عام 1909 وظل الاحتفال سارى فى هذا اليوم حتى عام 1913. وكان هناك دفع من جانب أمريكا للدول الأوربية لتخصيص يوماً للمرأة الأوربية أسوة بأمريكا بل وجعله يوم عالمى للمرأة فى مختلف بلدان العالم حيث تم عقد المؤتمر الدولى الثانى للسيدات العاملات فى عام 1910 فى “كوبنهاجن” بالدانمارك، حيث قامت الاشتراكية الألمانية “كلارا زيتكين” بتقديم اقتراحها بأن يكون هناك يوم عالمى يشير بأصابعه إلى إضراب العاملات الأمريكيات بمصنع النسيج وللتعبير عن مطالب النساء بشكل عام، وقد قوبل هذا الاقتراح بموافقة جماعية من قبل ما يفوق على المائة امرأة المشاركه فى المؤتمر من 17 دولة ومن بينهما ثلاث سيدات تم انتخابهن وفزن بمقاعد فى البرلمان الفنلندى، لكن لم يحدد يوم بعينه للاحتفال. فدول النمسا، والدنمارك، وألمانيا احتفلوا بيوم المرأة في الــ 19 مارس 1911م حيث شارك ما يزيد عن مليون شخص في المسيرات التي نُظّمت بمناسبة هذا اليوم، فيما تم الاحتفال بهذا اليوم في العديد من البلدان الأخرى بعد ذلك بسنوات، إلّا أن هذه الاحتفالات كانت مختلفة في تواريخها، وفى عام 1917، بدأ النساء فى روسيا القيام بإضراب يحمل عنوان “الخبز والسلام” استجابة لموت ما يفوق عن 2 مليون جندى روسى فى الحرب، وعلى الرغم من معارضة الأحزاب السياسية لمطالبهن واحتشادهن إلا أنهم استمروا فى الإضراب لمدة أربعة أيام متتالية حتى استسلم حاكم روسيا آنذاك القيصر نيكولاس الثانى – ومنحت الحكومة الانتقالية النساء حق التصويت. وكان اليوم الذى بدأت النساء فيه الإضراب هو يوم 8 مارس ومن وقتها و تم اتفاق عالمي على أن يكون 8 مارس من كل عام هو يوم عالمي للمرأة للاحتفال بالتقدم المحرز فى مجال تحقيق المساواة بين الجنسين. وفي عام 1945 تم إصدار ميثاق الأمم المتحدة، ليكون أول اتفاق دولي يؤكد على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وهو ما ساهمت به الأمم المتحدة لخلق إرث تاريخي من الاستراتيجيات والمعايير والأهداف المتفق عليها دولياً من أجل النهوض بوضع المرأة في جميع أنحاء العالم، وفى عام 1975 احتفلت الأمم المتحدة بأول يوم دولي رسمي للمرأة في 8 مارس. ويُعد يوم المرأة العالمي مناسبة يتم الاحتفال من خلالها بالتقدم الحاصل في ميدان المساواة بين الجنسين والسعي لذلك في جميع انحاء العالم، بالإضافة إلى تمكين المرأة، والاعتراف بأعمال النساء وإنجازاتهن في المجتمعات، ولهذا تعمل المنظمات العالمية بما في ذلك الأمم المتحدة واليونسكو على تعزيز جميع مجالاتها لتحقيق المساواة بين الجنسين، وتقام في هذا اليوم مجموعة من الفعاليات كنوع من الاحتفاء، فتُعقد المؤتمرات والندوات التي تتخللهما موائد الطعام بحضور نُخبة من القادة السياسيين، والنشطاء الاجتماعيين، بالإضافة إلى عددٍ من رجال الأعمال، وجمهور من النساء، ويتم التطرق في هذه الفعاليات إلى القضايا التي تخص المرأة، كضرورة منحها الحق في التعليم والعمل، كما تُقدم العروض في المؤسسات التعليمية، التي تهدف إلى التأكيد على دور المرأة التنموي، ومكانتها الاجتماعية المرموقة. و من الجدير بالذكر أن الأديان السماوية منذ آلاف السنين حثت على حقوق المرأة وكفالة رعايتها و مساواتها بالرجل، وقد قال الله عز وجل في كتابه الحكيم “يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ومن هذه الآية يتبين أن معيار التميز في الإسلام قائم على التقوى وليس جنس معين أو لون أو غيرها من معايير يلجأ إليها المتطرفين لتفرقة الناس وتقييمهم وفق إطار خارجي لا يعكس ما تحمله النفوس من صلاح واستقامة. و يكفى أن رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه ذكر المرأة فى أكثر من موضع و قال ( إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم و ما أهانهن إلا لئيم ) فيعتبر هذا الحديث بمثابة الأمر النبوى من رسولنا الكريم لإحترام دور المرأة فى المجتمع. و جميعا يحفظ عن ظهر قلب حديث ( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ) للدلالة على دور الأم، و كما قال الشاعر حافظ إبراهيم ( الأم مدرسة إذا أعدتتها أعدت شعبا طيب الإعراق ). فكل عام و كل إمرأة و كل أم بخير و سلام.