مقاومة التغيير: تحدي أمام تحقيق التميز المؤسسي في مؤسسات المجتمع الأهلي
بقلم : د. وليد سيد
مدير إدارة التطوير المؤسسي للمنظمات الأهلية بمؤسسة مصر الخير
في عالم يتسم بالتحولات السريعة والمتطلبات المتغيرة، تبقى مقاومة التغيير واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات بمختلف أنواعها، لا سيما مؤسسات المجتمع الأهلي. هذه المؤسسات، التي تمثل محورًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة، غالبًا ما تجد نفسها أمام حتمية التغيير لمواكبة المغيرات وتحقيق التأثير المنشود. ومع ذلك، فإن النجاح في إدارة هذا التغيير ليس فقط شرطًا للتطوير، بل هو أيضًا ركيزة لتحقيق التميز المؤسسي.
وتمثل مقاومة التغيير استجابة طبيعية، تتجذر في القلق والخوف من المجهول، ولكنها قد تكون أكثر وضوحًا في مؤسسات المجتمع الأهلي بسبب طبيعة العمل والطابع التقليدي لثقافتها المؤسسية للأسباب الأتية:
· الخوف من فقدان المكانة أو الاستقرار: الأفراد العاملين بتلك المؤسسات قد يشعرون بأن التغيير يُهدد أدوارهم أو يضعف مكتسباتهم.
· الثقافة المؤسسية التقليدية: الاعتماد طويل الأمد على ممارسات قديمة يجعل من التغيير فكرة تُقابل بالتشكيك.
· ضعف التواصل الداخلي: غياب الوضوح بشأن أهداف التغيير وآثاره المحتملة يؤدي إلى ظهور مخاوف ورفض جماعي.
· قلة الثقة في الإدارة: في حال ضعف الثقة بين القيادة والأفراد، تُصبح أي محاولة للتغيير موضع مقاومة أكبر.
مقاومة التغيير لها تأثيرا سلبيا على المؤسسات وإن لم تُدار بشكل فعال، فإن النتائج قد تكون مكلفة وتتمثل فيما يلي:
· تراجع الكفاءة التشغيلية: يؤدي التردد في تبني أساليب عمل حديثة إلى إهدار الموارد وإبطاء الأداء
· ضعف الاستجابة للتغيرات البيئية: عدم القدرة على التكيف مع التحديات المجتمعية أو الاقتصادية يحد من تأثير المؤسسة
· فقدان الدعم والشراكات: المؤسسات التي تُظهر مقاومة داخلية للتطوير تُفقد ثقة الممولين والداعمين
ولكي يتحقق النجاح في مواجهة مقاومة التغيير، يجب اتباع نهج استراتيجي ومدروس، يشمل التواصل الشفاف والمستمر والذي يتبلور في توضيح أهداف التغيير وأبعاده على المؤسسة والمجتمع المحيط بها، وخلق حوار مفتوح مع العاملين للإجابة على تساؤلاتهم ومخاوفهم، وكذلك إشراك الأفراد في عملية التغيير من خلال منح الموظفين دورًا حقيقيًا في التخطيط والتنفيذ، وإنشاء فرق عمل متخصصة لقيادة التغيير من الداخل، مما يعزز الشعور بالملكية الجماعية.
أيضا تعزيز القدرات والتأهيل من خلال تنظيم برامج تدريبية تُعد الأفراد للتعامل مع المتطلبات الجديدة بثقة وكفاءة، وتقديم الدعم النفسي والمهني لمساعدة الفرق على تجاوز القلق المرتبط بالتغيير، بالإضافة إلى التحفيز وإظهار الفوائد من خلال تسليط الضوء على النجاحات المبكرة للتغيير وإبراز الفوائد التي تعود على الأفراد والمؤسسة، وتقديم حوافز للمساهمين في دعم التغيير وتطبيقه بفاعلية. ولا ننسى تعزيز الثقة بين القيادة والفرق، حيث يُظهر القادة التزامهم بالتغيير من خلال أفعالهم لا أقوالهم فقط، وإشراك القيادة في الخطوات العملية للتغيير لطمأننه الجميع.
وبالرغم من أن التغيير قد يبدو عقبة للبعض، فإنه يحمل في طياته فرصًا غير محدودة للنمو والابتكار والتي منها تحسين الأداء المؤسسي، كما أن إعادة تقييم العمليات القائمة يؤدي إلى كفاءة أعلى ونتائج ملموسة، وأيضاً يساهم في تعزيز الابتكار الاجتماعي حيث أن مواجهة تحديات التغيير تُحفز على تقديم حلول جديدة تُحدث فرقًا في المجتمعات المستهدفة وبناء سمعة قوية، فالمؤسسات التي تنجح في إدارة التغيير تُصبح نموذجًا يحتذى به في القطاع.
وختاما ففي قطاع مليء بالتحديات كقطاع مؤسسات المجتمع الأهلي، يُعد التميز المؤسسي أكثر من مجرد هدف؛ إنه التزام تجاه المجتمعات التي نخدمها، تحقيق هذا التميز يتطلب القدرة على تحويل مقاومة التغيير إلى قوة دافعة للتطوير، من خلال استراتيجيات مدروسة تركز على التواصل، الشراكة، وتمكين الأفراد، المؤسسات القادرة على إدارة التغيير بفعالية ليست فقط تلك التي تصمد في وجه التحديات، بل هي التي تُبدع في تجاوزها وتُحقق أثرًا إيجابيًا ومستدامًا.