بقلم: د. وليد سيد

مدير إدارة التطوير المؤسسي للمنظمات الأهلية بمؤسسة مصر الخير

في سلسلة مقالاتنا السابقة، استعرضنا مجموعة من المواضيع الأساسية التي تسهم في تعزيز قدرات مؤسسات المجتمع الأهلي، من مقاومة التغيير إلى التطوير المؤسسي، وصولًا إلى القيادة التحويلية والثقافة التنظيمية. وقد أبرزنا كيف أن هذه العوامل مترابطة مع بعضها البعض، وتؤثر بشكل عميق في أداء المؤسسات، وقدرتها على تحقيق أهدافها التنموية. في هذا السياق، نتناول في هذا المقال أحد المفاهيم الحيوية التي تعتبر عاملًا أساسيًا في استدامة المؤسسات الأهلية، ألا وهو الحوكمة.

الحوكمة الرشيدة ليست مجرد مجموعة من القوانين أو الإجراءات؛ بل هي أساس عمل المؤسسات الأهليّة الفعّالة والمستدامة، والتي تسهم بدورها في تحقيق الأهداف التنموية على مستوى المجتمعات المحلية. فهي تضمن الشفافية والمساءلة، وتُسهم في تحسين الأداء المؤسسي، وتُعزز الثقة بين المجتمع والمؤسسات الأهلية، مما يفتح الأفق لتحقيق التنمية المستدامة وفقًا لأهداف رؤية مصر 2030.

أهمية الحوكمة في مؤسسات المجتمع الأهلي

تُعد الحوكمة حجر الزاوية في بناء مؤسسات قادرة على التكيف مع التحديات المستجدة، وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل. فهي تعمل على تعزيز الشفافية، والمساءلة، والعدالة داخل المؤسسات، مما يؤدي إلى تحسين علاقات المؤسسة مع جميع أصحاب المصلحة. من خلال الحوكمة الرشيدة، تصبح المؤسسات الأهلية قادرة على تطوير برامج تنموية تلبي احتياجات المجتمع بشكل أكثر فعالية، مع تعزيز قدرتها على إدارة مواردها بشكل مستدام.

علاوة على ذلك، فإن الحوكمة الرشيدة تسهم في بناء شراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، مما يعزز فرص التعاون في تحقيق الأهداف التنموية التي تندرج تحت رؤية مصر 2030. إذ تُعتبر الحوكمة عنصرًا أساسيًا لتحقيق الاستدامة، حيث تساهم في تحفيز بيئة تنظيمية تتسم بالمرونة والتطوير المستمر.

الحوكمة والتنمية المستدامة: تأكيد التكامل في رؤية مصر 2030

تُعد الحوكمة من العوامل التي تضمن تفعيل أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع. فبتطبيق الحوكمة، تصبح المؤسسات الأهلية قادرة على تحقيق التنمية المستدامة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وهذا ما ينسجم مع أهداف رؤية مصر 2030، التي تسعى إلى تعزيز الشفافية، والعدالة، والمشاركة المجتمعية في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

من خلال تعزيز الحوكمة الرشيدة، تستطيع المؤسسات الأهلية إدارة مواردها بكفاءة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بطرق مبتكرة، وبالتالي تُسهم في تقدم المجتمع المصري نحو المستقبل.

مدونة السلوك المهني للجمعيات والمؤسسات الأهلية: دعم إضافي للحوكمة 

واحدة من الأدوات المهمة لتعزيز الحوكمة في المؤسسات الأهلية هي مدونة السلوك المهني، التي وضعتها مؤسسة مصر الخير، والتي تم تضمينها في اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019. تهدف هذه المدونة إلى ضمان أن جميع الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الأهلية تتماشى مع المبادئ الأساسية للحوكمة الرشيدة، وتلتزم بأعلى معايير الشفافية والنزاهة.

أهم معايير مدونة السلوك المهني:

الامتثال للقوانين والمواثيق الدولية: ضرورة الالتزام بالقوانين المحلية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

تعزيز الإدارة الرشيدة: تحسين الكفاءة الإدارية من خلال تعيين قيادات مؤهلة وتفعيل آليات مراقبة الأداء.

النزاهة: التزام المؤسسات بالنزاهة في اتخاذ القرارات وتنفيذ الأنشطة وإدارة الموارد.

الشفافية والمسؤولية: توفير معلومات دقيقة وواضحة للجمهور، وضمان اتخاذ القرارات وفقًا لأعلى المعايير الأخلاقية.

المساءلة: تحديد المسؤوليات بوضوح وضمان محاسبة الأفراد على أدائهم.

تعزيز حق الوصول للمعلومات: تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات المتعلقة بأنشطة المؤسسة وقراراتها.

التأثير والفعالية: قياس نجاح المؤسسة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتأثيرها على المجتمع.

التركيز على أولويات التنمية: تنفيذ مشروعات تتماشى مع أولويات التنمية الوطنية والدولية واحتياجات المجتمع.

المساواة وعدم التمييز: تقديم الخدمات لجميع الفئات المستحقة دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الوضع الاجتماعي.

الشراكة والمشاركة: بناء شراكات استراتيجية مع الجهات المختلفة والعمل ضمن شبكات محلية ودولية لتعزيز التعاون وتحقيق الأهداف المشتركة.

من خلال دمج هذه المدونة في نظم العمل الداخلية لمؤسسات المجتمع الأهلي، تضمن هذه المؤسسات تحقيق مستوى عالٍ من الحوكمة، مما يُسهم في رفع مستوى الثقة بين المستفيدين والمجتمع ككل.

الخلاصة

إن الحوكمة هي العنصر الأساسي لاستدامة مؤسسات المجتمع الأهلي ونجاحها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. من خلال قياس أبعاد الحوكمة المختلفة، يمكن للمؤسسات تحقيق التطوير المؤسسي المستدام، وتحقيق تأثير إيجابي على المجتمعات التي تخدمها. بالإضافة إلى ذلك، فإن مدونة السلوك المهني تعد إطارًا أساسيًا لدعم الحوكمة وضمان التزام المؤسسات بالأخلاقيات المهنية، مما يسهم في تحقيق رؤية مصر 2030 وتعزيز دور القطاع الأهلي في مسيرة التنمية المستدامة.