التنمية والعمل الأهلي في مصر: من جذور العمل الخيري إلى نموذج التنمية المستدامة
لطالما كان العمل الأهلي في مصر مكونًا أساسيًا من مكونات المجتمع، حيث ساهم على مر العصور في تقديم الدعم للفئات الأكثر احتياجًا. ومع تطور الزمن، تغيّرت الأهداف والآليات التي يعتمد عليها هذا القطاع، ليشهد نقلة نوعية انتقل فيها من إطار العمل الخيري التقليدي إلى نموذج أكثر شمولًا يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة. هذه التحولات لم تأتِ صدفة، بل كانت نتيجة تطور في المفاهيم والاحتياجات المجتمعية، بالإضافة إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على العالم.
التنمية: من الإغاثة إلى التمكين
في الماضي، كان مفهوم التنمية مرتبطًا بشكل أساسي بالمساعدات المباشرة والإغاثة، حيث اعتمدت الجمعيات الأهلية على تقديم الدعم المادي أو العيني للأسر الفقيرة والمحتاجين. هذا النهج، رغم أهميته في التخفيف من حدة الفقر، كان محدود الأثر ولم يحقق تغييرًا جوهريًا في حياة المستفيدين.
مع مرور الوقت، بدأ يتبلور مفهوم جديد للتنمية يركز على التمكين بدلًا من الإغاثة. أصبح الهدف هو تحسين حياة الأفراد والمجتمعات بشكل مستدام من خلال تزويدهم بالأدوات والمعرفة اللازمة لبناء مستقبل أفضل. هذا التحول يمثل نقلة نوعية، حيث أصبح التركيز على معالجة جذور المشكلات بدلاً من التعامل مع نتائجها فقط.
التحول في العمل الأهلي: من اللامنهجية إلى الاستراتيجية
التغير الأكبر في العمل الأهلي بمصر كان في تبنيه لمفهوم التنمية المستدامة. لم يعد العمل مقتصرًا على تقديم المساعدات، بل أصبح جزءًا من منظومة متكاملة تسعى لتحقيق أهداف طويلة الأمد.
*ملامح التحول:-
أ-الرؤية الاستراتيجية: بدأ العمل الأهلي يتبنى رؤى واضحة وخطط استراتيجية تستند إلى تحليل عميق لاحتياجات المجتمع. هذه الرؤى تركز على إيجاد حلول جذرية ومستدامة للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
ب-الحوكمة والمهنية: مع تزايد المسؤوليات، أدركت المنظمات الأهلية أهمية تطبيق نظم حوكمة تضمن الشفافية والمساءلة. هذا يشمل وضع سياسات واضحة، تدريب الكوادر، وضمان الكفاءة في إدارة الموارد.
ج-التمويل المستدام: التحول من الاعتماد على التبرعات العشوائية إلى البحث عن شراكات تمويلية مبتكرة ومستدامة. تشمل هذه الجهود إنشاء مشروعات إنتاجية تدر دخلًا للمنظمات، وإقامة شراكات مع جهات محلية ودولية.
د-التكنولوجيا والتحول الرقمي: أصبح التحول الرقمي ركيزة أساسية في تطوير العمل الأهلي. من استخدام قواعد بيانات لإدارة المستفيدين إلى إطلاق منصات إلكترونية للتواصل وجمع التبرعات، تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تحسين الأداء وتعزيز الشفافية.
3-التحول نحو نموذج تنموي شامل:
العمل الأهلي الحديث في مصر لم يعد يقتصر على الجمعيات الخيرية، بل أصبح منظومة متكاملة تضم منظمات المجتمع المدني، المؤسسات الدولية، والمبادرات المجتمعية. هذا التكامل ساهم في تعزيز كفاءة الجهود التنموية وزيادة تأثيرها.
*محاور أساسية لتحقيق التنمية الشاملة:
أ-تمكين الأفراد والمجتمعات: تمكين الفئات المستهدفة من خلال التعليم، التدريب المهني، ودعم ريادة الأعمال لتحويلهم من متلقين للمساعدة إلى مشاركين فاعلين في التنمية.
ب-التركيز على البيئة والتنمية المستدامة: إدماج القضايا البيئية ضمن خطط التنمية من خلال مشاريع تعزز الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقليل التلوث.
ج-تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك الأفراد والمجتمعات في تصميم وتنفيذ البرامج التنموية لضمان استدامتها.
خاتمة
العمل الأهلي في مصر يشهد مرحلة جديدة من النضج والتحول، حيث أصبح أداة فعّالة لتحقيق التنمية المستدامة. الانتقال من الإغاثة إلى التمكين ليس مجرد خطوة للأمام، بل هو قفزة نوعية تستجيب لتحديات العصر. لضمان نجاح هذا التحول، يجب أن تتضافر الجهود بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة، القطاع الخاص، والمنظمات الأهلية
بهذه الطريقة، يمكن أن يصبح العمل الأهلي قوة حقيقية لدفع المجتمع نحو مستقبل أفضل وأكثر استدامة.
المصادر:
1)الهيئة العامة للاستعلامات
2) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
3)وزارة التضامن الاجتماعي
بقلم:عبدالله عزت
أخصائي تطوير أداء الجمعيات الاهلية
مؤسسة مصر الخير