القدرات المؤسسية للمنظمات الأهلية المصرية في عالم متغير
القدرات المؤسسية للمنظمات الأهلية المصرية في عالم متغير
إعداد / د. مسعد رضوان عبد الحميد
عميد كلية العلوم الإدارية - أكاديمية السادات للعلوم الإدارية
مقدمة
تزايد الدور الذي تتولاه المنظمات الأهلية في العالم نظرا للظروف المتغيرة التي يشهدها الواقع المعاصر، والتي شكلت مدخلا مهما لرسم خريطة عمل تلك المنظمات. ولا شك أن التغييرات في طبيعة البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية قد حدت بتلك المنظمات نحو إعادة اختراع الدور الذي تقوم به، وأن تساير ذلك التطور سواء في صياغة رؤيتها أو آليات العمل التي تنتهجها. إلا إنه وفى ذات الوقت طرأ على العالم عدد من المستجدات التي دعت منظمات المجتمع المدني نحو العودة مرة أخرى وبشكل مفاجئ نحو الأدوار التقليدية، وليس أدل على ذلك من جائحة كوفيد-19، وأيضا نشوء بعض الحروب والصراعات وعدم استقرار في بعض المناطق، وهو ما ولد العديد من التداعيات ليس فقط على مستوى المناطق محل الصراع، بل أيضا مناطق أخرى من العالم تعاني من مشكلات جوهرية مثل الفقر والأمن الغذائي، وغيرها.
تتناول المقالة أربع محاور رئيسة حول: أهم الاتجاهات العالمية في بيئة عمل المنظمات غير الحكومية، البناء المؤسسي للجمعيات الأهلية: المفهوم وضرورات التحول، البناء المؤسسي للمنظمات الأهلية في الحالة المصرية، وأخيرا متطلبات تطوير القدرات المؤسسية للجمعيات الأهلية.
1/1 أهم الاتجاهات العالمية في بيئة عمل المنظمات الأهلية
تشير العديد من التقارير الدولية إلى تطور دور منظمات المجتمع المدني عالميا، ذلك أن حجم الأعمال التي تقوم بها قد زاد من 288.97 مليار دولار في عام 2022 إلى 305.22 مليار دولار في عام 2023 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.6٪، ومن المتوقع أن ينمو حجم الأعمال إلى 369.21 مليار دولار في عام 2027 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.9%، وتشير كافة التوقعات إلى أن طبيعة المجتمع المدني ودور المنظمات الأهلية سوف تتغير خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة.
يمر العالم بعدد من التغيرات التي تؤثر على بيئة عمل المنظمات الأهلية والتي تتطلب أخذها في الاعتبار عند إعادة اختراع دور تلك المنظمات لتكون أكثر مرونة ومتانة (Agility & Resilient (في التعامل مع المستقبل.
لقد ولّد الاهتمام بآثار الاتجاهات العالمية المتغيرة وأثرها على المنظمات الأهلية عددًا من الدراسات الحديثة التي تعتمد على البيانات الحالية لوضع توقعات "حالة العالم" وتحديد "الاتجاهات الكبرى المحتملة” في هذا الحقل. وتسلط هذه التقارير الضوء على مجالات الاهتمام المشتركة مثل: عواقب تغير المناخ، وتأثير انعدام أمن الموارد، والتحولات الديموغرافية، والقضايا المتعلقة بالحراك الاجتماعي والهجرة، والآثار المترتبة على تزايد عدم المساواة الاقتصادية، وزيادة النشاط الاجتماعي ودور المجتمع المدني، وتغيير الديناميكيات الجيوسياسية وتأثير التقنيات الجديدة وزيادة الربط بين الكرة الأرضية من خلال شبكة الإنترنت.
وخلصت التقارير التحليلية المختلفة إلى أن الاحتياجات تتغير، والمشكلات التي تواجه العالم تتغير، والحلول تتغير، والتمويل يتغير، وأيضا التفكير يتغير. ونتيجة لذلك، فإن النماذج القائمة لآلية عمل المنظمات الأهلية لم تعد مناسبة للمستقبل الجديد. وتواجه المنظمات الأهلية في دول العالم الثالث تحديات استراتيجية فيما يتعلق بكيفية تعاملها مع التغيير ومعالجة الاضطرابات في بيئتها الخارجية والداخلية والتي من المحتمل أن تؤثر على عملهم في المستقبل، ومن أبرز تلك التحديات:
أولا: التغييرات الجوهرية في حجم وتوجهات عمليات التمويل
إن انخفاض ميزانيات المساعدات العالمية نظرا لتوجه الجهات المانحة بخفض ميزانيات المساعدات الخارجية الخاصة بها، وعدم تحديد أولويات المساعدات الإنسانية للعديد من البلدان المحتاجة، علاوة على ذلك، يواجه القطاع غير الربحي تحديًا جديدًا مع دخول العديد من الأطراف الأخرى مثل "المقاولين" إلى المجال الإنساني والتنموي، مما يزيد المنافسة ويجعل الأمر أكثر صعوبة للمنظمات الأهلية لتأمين التمويل.
ثانيا: تغير نماذج الأعمال وبيئة التشغيل
لقد تغير المشهد الذي تعمل فيه المنظمات الأهلية بسرعة كبيرة، ومن ثم يجب على المنظمات الأهلية أن تتمتع بنفس القدر من المرونة والتكيف، لا سيما أن نموذج العمل التي تعتمده معظم المنظمات الأهلية سواء الدولية أو الوطنية يزيد عمره على الخمسين عاما. وتعد المرونة أمرًا ضروريًا للمؤسسات للتكيف مع هذا المشهد المتغير، والقدرة على الاستجابة بسرعة للتحولات الثقافية الحادثة من حولها. ولقد اتصفت عمليات التحول في بيئة التشغيل بعدد من المظاهر الأساسية منها:
- التوجه نحو نموذج المؤسسة الاجتماعية Social Enterprise، وتعرف المؤسسة الاجتماعية أو الأعمال الاجتماعية على أنها شركة ذات أهداف اجتماعية محددة تخدم غرضها الأساسي. وتسعى المؤسسات الاجتماعية إلى تحقيق أقصى قدر من الأرباح مع تعظيم الفوائد للمجتمع والبيئة، وتوظف الأرباح بشكل أساسي لتمويل البرامج الاجتماعية.
- عمليات الدمج والاستحواذ. تسعى أكثر من 20% من المنظمات الأهلية إلى تقييم الحاجة إلى تغييرات كبيرة في مجال عمليات الاندماج والاستحواذ مع مؤسسات أخرى بهدف توفير آلية أكثر فعالية لتطوير خدماتها.
- تغييرات البرنامج. تسعى المنظمات الأهلية إلى إحداث تغييرات جوهرية في البرامج التي تنفذها سواء من حيث طريقة العمل أو نوعية وشكل النتائج المخططة.
ثالثا: إعادة النظر في مفهوم بناء القدرات
زاد اهتمام المنظمات الأهلية ببناء قدرات تتمتع بالمتانة والمرونة فيما يخص الاستجابة للكوارث، خاصة قبل وقوعها. ولقد أظهرت العديد من التقارير الدولية إلى ضرورة البحث عن آليات مستحدثة في كيفية الاستعداد للكوارث والتعافي منها خلال السنوات القادمة، لما سوف ينتج من عواقب متعلقة بتغير المناخ والكوارث الأخرى المحتملة ذات التأثير الكبير على الفئات الأكثر هشاشة اجتماعياً.
ومن جهة أخرى أولت المنظمات الأهلية اهتماما متزايدا خلال الفترة الأخيرة بالتركيز على مدخلات بناء القدرات التي تهتم بتطوير نموذج متقدم في قيادة المنظمات الأهلية. حيث أن تطوير القيادة وآلية عمل مجالس الإدارة تصب بشكل مباشر في توفير القاعدة القوية من الدعم لإجراء عمليات التغيير، ومن ثم سعت العديد من المنظمات إلى الاستثمار في تطوير القيادة. وفى ذات السياق، وتحت تأثير ندرة التمويل أصبح التركيز في مفهوم بناء القدرات والبناء المؤسسي على البحث عن التميز، حيث أضحى البقاء والنمو كهدف للمنظمة مرهون بمدى قدرتها على التميز، ذلك أن التميز هو مستوى الأداء الوحيد المقبول في عصر التنافسية والعولمة والمعرفة، ولا بقاء إلا للمنظمات المتميزة.
وكما تشير التوجهات العالمية إلى أن معظم الجهات الممولة خلال السنوات الأخيرة، ركزت على دعم المبادرات التي تنفذها المنظمات الأهلية التي ترتكز على بناء القدرات المحلية. على سبيل المثال، تعهدت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتقديم 25% من مساعداتها للسكان المحليين الشركاء خلال السنوات الأربع المقبلة، وأن تقود المجتمعات المحلية ما لا يقل عن 50% من مساعداتها بحلول نهاية العقد. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت فنلندا والدنمارك الآن تطالب المنظمات الأهلية بإظهار كيفية بناء مشاريعها للقدرات المحلية في الدول الموجة لها المعونات.
2/1 البناء المؤسسي للجمعيات الأهلية:المفهوم وضرورات التحول
ما زال مفهوم البناء المؤسسي من المصطلحات الحديثة نسبيا في مجال المنظمات الأهلية، وتشير مراجعة الأدبيات المختلفة إلى درجة من التداخل بين مفهومي بناء القدرات والبناء المؤسسي، هذا التداخل يعود بالدرجة الأولى إلى قلة الأدبيات التي تناولت المفهومين بالتحليل والدراسة.
تتصف عمليات البناء المؤسسي بأنها أوسع وأشمل من عمليات بناء القدرات، حيث تركز عمليات بناء القدرات على مساعدة المنظمة الأهلية لتنفيذ أنشطة وبرامج محددة، وغالبا ما تكون برامج بناء القدرات مخططة بواسطة الجهات الممولة أو المانحة، وموجهة نحو المنظمات الأهلية المنفذة للبرامج والأنشطة. وتهدف برامج بناء القدرات إلى مساعدة المنظمة الأهلية للقيام بدور المنفذ للبرامج دون التركيز على الدور الحقيقي كفاعل في منظومة المجتمع المدني. ويطرح مفهوم البناء المؤسسي بعدا جديدا لتطوير أداء المنظمات الأهلية، فبدلا من الاهتمام بدعم قدرات المنظمة الأهلية لتقوم بنشاط محدد، فإنه يتم تطوير المنظمة الأهلية لتصبح منظمة داخل مجتمعها. ويقصد بمفهوم منظمة أنها تدرك وينظر إليها على أنها فاعل رئيس في منظومة المجتمع يؤثر ويتأثر به. بناء على الطرح السابق فإن مفهوم البناء المؤسسي للمنظمة الأهلية هو أوسع وأشمل من مفهوم بناء القدرات التنظيمية، حيث يعد بناء القدرات أحد الأبعاد الضرورية واللازمة لبناء المنظمة الأهلية مؤسسيا، ولكنه ليس البعد الوحيد، ومن ثم يمكن تعريف مفهوم البناء المؤسسي بأنه:
التدخلات المخططة التي تنفذ بواسطة المنظمة الأهلية أو طرف خارجي أو الاثنين معا خلال فترة زمنية طويلة نسبيا، بما يؤدي إلى إيجاد موقعا مؤسسيا للمنظمة الأهلية داخل المجتمع الذي تعمل به. وتكون المنظمة الأهلية أحد الفاعلين الرئيسيين داخل المجتمع، ولديها قدرة على العمل باستقلالية ذاتية، وقادرة على الاستدامة والملائمة للاحتياجات المتجددة للفئات المستهدفة بما يحقق أثرا ملموسا على حياة الناس.
ويجب الإشارة إلى أن عمليات البناء المؤسسي للمنظمات الأهلية هي عملية ديناميكية ومتغيرة، ومن ثم كان من الضروري دراسة متطلبات البناء المؤسسي لكل منظمة غير حكومية طبقا للمرحلة العمرية التي تمر بها. إن متطلبات البناء المؤسسي في مرحلة البناء والنمو قد تختلف عن مرحلة الاستمرارية وهذا تختلف عن مرحلة التفكير في التوسع. وتشير الأدبيات المختلفة إلى خمس مكونات رئيسة لعملية البناء المؤسسي يجب العمل على تنميتهم وتطويرهم داخل المنظمة الأهلية حتى يصبح لها موقعا مؤسسيا داخل المجتمع الذي تعمل به وهم: الإدارة الاستراتيجية، القدرة التنظيمية، إدارة البرامج، الموارد، والعلاقات.
- الإدارة الاستراتيجية للمنظمة: وتتضمن الرؤية والرسالة والسياسات العامة للمنظمة وأعضاء مجلس الإدارة وتطبيق قواعد الحوكمة.
- القدرة التنظيمية: تشير إلى كل ما يخص الأنظمة الخاصة بإدارة العمل مثل نظام إدارة الموارد البشرية، النظام المالي، نظام إدارة المعلومات، الهيكل التنظيمي، اللوائح والسياسات والأنظمة الداخلية الأخرى.
- إدارة البرامج: وتعكس إدارة البرامج التدخلات الرئيسة التي تنفذها المنظمة الأهلية والتي تشكل السبب الرئيس لوجودها بالمجتمع.
- إدارة الموارد: وتشمل الموارد بكافة أنواعها، من حيث مصادر الحصول أو الإدارة لتلك الموارد.
- إدارة العلاقات: تعتبر المنظمة الأهلية حلقة وسيطة ما بين العديد من الأطراف "الحكومية والمجتمع والقطاع الخاص وهكذا"، ومن ثم فان أحد العناصر المهمة لقدرة المنظمة الأهلية هي قدرتها على إدارة العلاقات مع الأطراف المختلفة بفاعلية. وتتمثل تلك العلاقات في أنماط مختلفة مثل علاقات الشراكة والتشبيك والعلاقات المباشرة لعمليات تنفيذ البرامج والأنشطة المختلفة.
3/1 البناء المؤسسي للمنظمات الأهلية في الحالة المصرية
تتميز بيئة عمل المنظمات الأهلية بالثراء في تنفيذ العديد من أنشطة بناء القدرات الداعمة لتلك المنظمات. حيث يوجد العديد من الأطراف التي تؤثر على عمل المنظمات الأهلية في مصر. من هذه الأطراف وزارة التضامن الاجتماعي، الجهات المانحة والممولة للمنظمات الأهلية المصرية، والمنظمات الأهلية التي تتولى القيام بدور المنظمات الوسيطة " المنظمات المظلة"، والاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، والاتحادات النوعية، والمؤسسات والجهات المنفذة لأنشطة تدريب المنظمات الأهلية المصرية.
إلا أن تحليل واقع عمليات بناء القدرات والبناء المؤسسي يشير أنه لا يوجد إطار واضح ومحدد لتخطيط وتنفيذ استراتيجيات البناء المؤسسي للجمعيات الأهلية المصرية. وقد يرجع ذلك أن مفهوم البناء المؤسسي لم يحظ بالاهتمام الكافي سواء بين العاملين بالجهات المانحة، أو الجهات الإدارية أو العاملين بالمنظمات الأهلية. ومن ثم فإن الأنشطة التي تنفذ لتطوير أداء المنظمات الأهلية المصرية – في أغلب التدخلات- لا ترقى إلى مستوى الاستراتيجية، ولكنها تظل عند مستوى التدخلات غير المترابطة والتي لا تعكس تنسيقا بين الجهات المنفذة أو ترابط مع خطة عامة لبناء المنظمات الأهلية المصرية مؤسسيا. وتحتاج برامج البناء المؤسسي لفترات زمنية طويلة نسبيا، إلا أنه في واقع الأمر، فإن معظم الجهات المانحة تهتم بتنفيذ تدخلات قصيرة المدى وتكون تلك التدخلات غالبا مرتبطة بتنفيذ أنشطة ومشروعات محددة من قبل الممول وليست مرتبطة بالأداء العام للمنظمة الأهلية.
كما يجدر الإشارة إلى أن متابعة وتقييم عمليات البناء المؤسسي لم تمثل أولوية للعاملين في حقل المنظمات الأهلية، على الرغم من أن عمليات المتابعة والتقييم، في حالة تنفيذها بشكل جيد، تساعد في تحسين تدخلات البناء المؤسسي وتأسيس التغيرات داخل المنظمة الأهلية. كما أنها تساعد في فض إشكالية رفض بعض المنظمات الأهلية الاستثمار في بناء المنظمات الأهلية مؤسسيًا تحت ستار أن كل الجهود يجب أن توجه بشكل مباشر للمستفيد. ذلك أن عمليات المتابعة توضح بشكل جلي المردود من عمليات التطوير وبناء المنظمات الأهلية مؤسسيًا على تنمية المجتمع.
وتختلف درجة الاهتمام بمتابعة عمليات القدرات والبناء المؤسسي طبقًا لأهداف عمليات المتابعة والتقييم والجهة القائمة على ذلك. فنجد أنه في حالة الجهات المانحة، تهتم عمليات المتابعة والتقييم أكثر بمراجعة الخطط والأهداف المتفق عليها في سياق المنح المعطاة للمنظمة الأهلية. في حين تمثل عمليات المتابعة والتقييم للجهة الإدارية – وزارة التضامن الاجتماعي – أسلوبًا للرقابة، وتقل عمليات الاهتمام بالمتابعة والتقييم كأسلوب للتعلم من الدروس الماضية وإعادة توظيف مخرجات عمليات المتابعة والتقييم كمدخلات جديدة لعمليات تطوير أداء المنظمة الأهلية
4/1 متطلبات تطوير القدرات المؤسسية للجمعيات الأهلية
تتطلب عمليات بناء القدرات المؤسسية للجمعيات الأهلية في الحالة المصرية التركيز على عدد من المحاور منها:
أ. دعم ونشر مفهوم البناء المؤسسي
- تشجيع المزيد من الدراسات الأكاديمية، الأبحاث العلمية، والمؤتمرات لدراسة مفهوم البناء المؤسسي. وتوثيق الخبرات الناجحة في شكل قصص نجاح، أو حالات موثقة بحيث يمكن استخدامها لإدارة المعرفة وزيادة التراكم المعرفي والخبرات الخاصة بعمليات البناء المؤسسي بقطاع المنظمات الأهلية.
- صياغة خريطة عامة لاحتياجات المنظمات الأهلية المصرية، سواء من حيث الاحتياجات الفنية أو الاحتياجات الجغرافية واستخدام تلك الخريطة لتوزيع مجهودات برامج البناء المؤسسي بشكل منطقي سواء من حيث التركيز على جوانب معينة في أداء المنظمات أو إعطاء أولويات لمناطق جغرافية معينة. أيضا تستخدم نتائج ذلك لتقييم أداء القطاع ومدى التقدم في قدراته ودرجة مؤسسيته كأحد الفاعلين الرئيسيين في المجتمع المدني المصري.
- أن تتبنى الجهات المانحة والمنظمات الأهلية الكبيرة والتي لديها خبرة للعمل كجمعيات مظلة أو وسيطة مجموعة من الإصدارات (كتب أو مجلات أو مطويات) تهدف إلى شرح مفهوم بناء القدرات المؤسسية للجمعيات الأهلية. وأيضا تنظيم الجوائز والمسابقات في هذا المجال لتكون بمثابة دافع للجمعيات الأهلية للتوجه نحو تعزيز القدرات المؤسسية.
- التأكيد على أن يتم بناء المنظمات الأهلية مؤسسيا من خلال تبني استراتيجيات طويلة المدى، وليس مجرد تدخلات متفرقة، بل مرتبطة برسالة المنظمة ودورها كفاعل في المجتمع أو قطاع المنظمات الأهلية.
- أن يتم إنشاء مراكز تدريب وبناء قدرات متخصصة على المستوى المحلى، تساعد في تنفيذ أنشطة البناء المؤسسي بدلاً من الاعتماد على مراكز التدريب والدعم الفني الكائنة بالمدن الكبيرة. وقد تأخذ مراكز التدريب والدعم الفني المحلية أشكالا متعددة منها أن يتم اختيار جمعيات أهلية من نفس المنطقة لديها خبرة وقادرة على تقديم الدعم الفني وإعداد تلك المنظمة وتزويدها بمفاهيم العمل كمنظمة وسيطة وتبني فكرة مساعدة المنظمات الأهلية الأخرى الأقل قدرة.
ب. تبنى نمط القيادة الاستراتيجية التحويلية
تحتاج المنظمات الأهلية لنمط جديد من القيادة، لا يهدف فقط إلى الإنجاز، بل تحدى الواقع واستشراف نموذج مستقبلي جديد للمنظمة وهو ما جعل العديد من المنظمات تبحث عن نموذج القائد المتوجه نحو القيمة Enterprise Leadership والقائد التحويل Transformational Leadership، ذلك أنه يحقق العديد من المزايا منها تحدى الواقع، وأيضا بناء شراكات استراتيجية، أي أنه يتوجه نحو البيئة المحيطة ويتفهم ما هي علاقات القيمة المضافة.
ويقوم القائد بدور في إيجاد ثقافة مؤسسية تدعم تحقيق التميز وتحفز العاملين على التطوير المستمر والتفكير الابداعي غير النمطي، لما يمثله القائد من قدوة للعاملين في جميع المجالات وخاصة في المجالات التي تتطلب التواصل مع المتعاملين ومتابعة أمورهم وتحقيق رضاهم. ولعل أهم ما يميز القائد التحويلي أن لديه القدرة العالية على تحديد أوجه القصور والفرص المتاحة، وصياغة الرؤية المستقبلية للمنظمة وإجادة التعبير عنها، وأيضاً البحث عن وسائل غير تقليدية لتحقيق الرؤية والوصول إلى الأهداف. وتوظف القيادة الاستراتيجية التحويلية في القرن الحادي والعشرين مفهوم رأس المال البشرى الذي يملك المهارة والمعرفة، ورأس المال الاجتماعي الذي يملك المصادر الفاعلة، وكلاهما مهم لتحقيق قوة دفع المنظمة والتنافسية. إن القيادة الاستراتيجية التحويلية هي المسئولة عن نجاح المنظمات أو فشلها، والقادة هم المسئولون عن تحقيق التوازن الاستراتيجي بين التطلعات والحاجات، كما أنهم المسئولون عن التميز والمنافسة، وهم الذين يتولون التخطيط الاستراتيجي، والتفكير الاستراتيجي، بهدف تطوير المنظمات.
ج. تطبيق مفهوم الإدارة المرتكزة على النتائج Results- Based Management
تعرف الإدارة المرتكزة على النتائج بأنها استراتيجية إدارية تهدف إلى إحداث تغيير جوهري في طريقة عمل المنظمات، من أجل تحسين الأداء وتحقيق النتائج المرصودة التي هي محور عملية التغيير. وتهتم الإدارة المرتكزة على النتائج بشكل فني ومحدد بتوضيح الأهداف المخططة، ووضع مؤشرات لقياس مدى التقدم في تحقق تلك الأهداف، وأيضاً جمع البيانات بشكل مستمر للتأكد من أن الأنشطة والعمليات المنفذة تسير نحو تحقيق النتائج المرجوة. ويساعد التطبيق الفعال لمفهوم الإدارة المرتكزة على النتائج على وجود نتائج محددة وهو ما يساعد في إيجاد الشعور بالمسئولية لدى العاملين بالمنظمات الأهلية، ومن ثم تولد الدافع الذاتي الداخلي نحو الالتزام بتحقيق هذه النتائج حتى لا يكون تحت دائرة الضوء فيما يخص المساءلة.
د. دعم مفهوم المنظمة المتعلمة Learning Organization
تدلل التجارب الدولية في العديد من الدول أن دعم المعرفة بالمنظمات الأهلية يعمل على دعم ثقافة التميز. وتبنى منظور المنظمة المتعلمة في توظيف عمليات التعلم يرسخ القيم المهنية التي ترعى استدامة التميز، وذلك من خلال تبنى منظومة التعلم التنظيمي الشامل والذي يمكن أن يتم ترجمته بشكل إجرائي في بناء القدرات المؤسسية للمنظمة الأهلية.
إن فلسفة المنظمة المتعلمة تتعدى مجرد الاهتمام بالموارد البشرية، وتقديم أنشطة تدريبية على درجة عالية من الدقة، ولكن هي تلك المنظمة التي تضع ضمن أولويات أهدافها تنمية العنصر البشرى، وصقله بكل المتطلبات التي تجعل منه عنصراً فاعلاً وأساسياً، يساعد المنظمة للاستجابة للتغيرات المحيطة من خلال دعم عمليات التعلم التنظيمي. إن التعلم التنظيمي يدلل على وجود درجة من الوعي المتنامي بالتحديات التنظيمية التي تواجه المنظمة، وكيفية التعامل مع تلك التحديات من قبل الأفراد داخل تلك المنظمة وبما يكون له أثر على عناصر ومخرجات المنظمة ذاتها. وتدلل الكثير من الأدبيات أن قدرة أي نظام على البقاء والحفاظ على تكامـله وتوازنه يتطلب أن يكون مستوى المعرفة الناتجة عنه مساويا على الأقل لمستوى التغير الموجود في البيئة. وبما أن المنظمة هي نظام مفتوح تتأثر بمـا يحدث حـولها، فلا بد أن يتلاءم معدل التغيير والتعلـم فيها مع معـدل التغـير في البيئة المحيطة بها.
ه. تفعيل ميثاق العميل Clients' Charter
لقد شهد العقدان الماضيان تحولات أساسية في إطار المفاهيم الخاصة بإدارة المنظمات الأهلية، فقد تحول الحديث من الإدارة والسيطرة المهنية والإدارية إلى سيادة ريادة العميل، ومن ضبط أو مراقبة التكاليف إلى إدارة الأداء، ومن زيادة كمية المخرجات إلى تحسين جودة الخدمات، ومن تقييم مدى سلامة الإجراءات إلى المساءلة عن النتائج ومستويات الأداء. ومن ثم يأتي ميثاق العميل ليدعم تلك الرؤية والمسئولية المشتركة. وميثاق العميل هو وثيقة يتم اعدادها بناءً على التشاور بشكل موسع مع المواطنين، وكادر الصف الأمامي بالمنظمات الأهلية بهدف إخبار وإعلام كافة الأطراف عن مهام المنظمة نحو الخدمات المقدمة ومعاييرها وحقوق وواجبات متلقي الخدمات، وتكاليف الخدمة، وآلية تقديم الشكاوى، وأي معلومات اخرى تتعلق بالمنظمة وخدماتها، بحيث يجعل مقدمي الخدمة أكثر استجابة لاحتياجات ومتطلبات متلقي الخدمة من خلال التشاور المستمر معهم، هذا من جهة؛ وتعزيز الحق في مساءلة ومحاسبة مقدمي الخدمة من خلال استخدام آليات مراقبة الاداء وقياسه، من جهة أخرى.
و. بناء الثقة مع المجتمع
تحتاج المنظمات الأهلية إلى الاهتمام بشكل جوهري بدعم ثقة المواطن لها في ظل المتغيرات المحيطة بها والتي تشكل توقعات متصاعدة للمواطنين، إذا لم تتكيف معها المنظمات الأهلية سوف تشكل ضغوطا عليها ومزيدا من تناقص الثقة في تلك المنظمات.
ويشير مفهوم الثقة إلى حالة من الاطمئنان من جانب فرد أو مجموعة تجاه فرد أو مجموعة أو منظمة، وتتضمن تلك الحالة الاستعداد لتحمل مخاطر تلك الحالة، في سبيل تحقيق أهداف يؤمن بها الطرف أو المجموعة مانحة الثقة. كما أن الثقة تعكس متغيرات عديدة منها السيكولوجي والاجتماعي وكذلك السياق العام والذي يمثل بيئة داعمة أو مهددة لعلاقات الثقة.
ولقد بدأت الألفية الحالية برؤية مختلفة لإدارة المنظمات الأهلية ترتكز على مزيد من الشراكة مع المجتمع، والدعوة لنظام جديد لحوكمة المنظمات الأهلية. وتضمن النهج الجديد اشتراك أكثر من طرف في تنفيذ الأهداف التنموية. يتضمن النهج الجديد أيضا العلاقات التنظيمية المتقاطعة وحوكمة العمليات المختلفة، والتي بمقتضاها فإن عامل الثقة ورأسمال العلاقات (Relational Capital) والعلاقات التعاقدية تقوم بدور مهم أكثر من مجرد الاهتمام بالشكل التنظيمي والوظيفي للمنظمة الأهلية. وقد أدى ذلك إلى المزيد من التفاعل بين المنظمات الأهلية وجمهور المواطنين، ومن ثم أصبحت تلك المنظمات متأثرة في عملها برؤية المواطنين حول الطريقة التي تقدم بها الخدمة وعما إذا كانت مناسبة أم لا، ومن ثم أضحت الثقة من قبل المواطنين من أهم العوامل المؤثرة.
ز. تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة بالمنظمات الأهلية
تستطيع المنظمات الأهلية الحفاظ على الثقة مع جمهور المواطنين من خلال مجموعة من التدخلات المرتبطة بالحوكمة ومنها: إبداء الشعور الصادق والتناغم بين ما يقولونه وما يفعلونه؛ والحرص على تمثيل والتعبير عن مصالح المواطنين بشكل فعال؛ وتنفيذ اصلاحات جوهرية في نظم الإدارة الخاصة بها. ويتوقع المواطنون أن تقدم المنظمات الأهلية الخدمة بنزاهة وعدالة وأن تدير الموارد العامة بأكثر قدر من الكفاءة والفعالية، وأنها تتصف بالحيادية، والشفافية، والنزاهة، والمهنية.
ح. دعم التواصل مع المواطنين
يساهم التواصل مع المواطنين في توحيد الرؤى بين المنظمات الأهلية والمواطنين حول ما يجب فعله وكيف يتم عمله والتحديات التي يجب أن يتحملها الجميع. على الرغم من تنامى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لم توظف بالشكل الكافي من أجل التسويق الاجتماعي للمنظمات الأهلية، ومن ثم تسارعت وتيرة الانتقادات لأداء المنظمات الأهلية – في بعض الأحيان- بما أدى إلى دعم صورة ذهنية سلبية. تحتاج عمليات التسويق الاجتماعي للمنظمات الأهلية إلى توظيف أساليب أكثر ابتكارية للتواصل مع الفئات المتنوعة من المواطنين بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وبشكل ليس من شأنه محاولة تحسين صورة المنظمات الأهلية بشكل دائم وفقط ولكن لإظهار الحقائق مما يخلق درجة أكبر من الثقة.