القيادة والإدارة في العمل الأهلي بين الواجب الشرعي ومتطلبات النجاح المؤسسي
بقلم أ / عبدالرحمن خميس
الرئيس التنفيذي لمؤسسة "فأتبع سببا" للاعمال الخيرية والتنموية
مقدمة
خلق الله الإنسان وجعل له دورًا قياديًا في الأرض. فكما أن الشريعة شرعت إمامًا للمسلمين، كذلك تحتاج المؤسسات إلى قائد يسير بها نحو أهدافها ويؤثر في العنصر البشري تأثيرًا إيجابيًا.
فالناس ليسوا آلات تُدار بالأوامر، بل كائنات مليئة بالمشاعر والدوافع. ومن هنا تبرز أهمية القيادة الواعية والإدارة الناجحة التي تحسن التعامل مع الناس وتستثمر قدراتهم لتحقيق التقدم والتطور.
وقد قال بيتر دراكر، رائد علم الإدارة:
"أي مؤسسة من أي نوع لها مورد حقيقي واحد هو الإنسان."
أهمية القيادة في العمل الأهلي
العمل الأهلي ليس نشاطًا خيريًا محدودًا، بل هو ركيزة أساسية لاستقرار المجتمعات وحماية هويتها.
لذلك فالقيادة في هذا المجال واجب شرعي ومجتمعي، لأنها تبني مؤسسات قوية قادرة على مواجهة التحديات.
كما تقول مارجريت ميد:
"يجب ألا يخالجك الشك في أن مجموعة صغيرة مؤمنة بعمل يمكنها تغيير العالم."
الفرق بين القيادة في القطاعات الربحية وغير الربحية
· في المؤسسات الربحية: تُقاس الإدارة بحجم الأرباح والمكاسب.
· في المنظمات غير الربحية: تُقاس بالكفاءة والتأثير الاجتماعي.
لذلك يحتاج العمل الأهلي إلى قيادة واعية تدير الموارد البشرية والمالية بأفضل صورة لتحقيق أثر مستدام.
مشكلة الانفعالية في العطاء
كثير من الناس يتفاعلون مع الكوارث بشكل عاطفي فيقدمون تبرعات كبيرة، لكنهم يتوقفون عندما يُطلب منهم دعم مشروعات تنموية طويلة الأجل مثل بناء المدارس أو المراكز الصحية.
هنا يظهر الفرق بين:
· العطاء الانفعالي: لحظي وقصير الأثر.
· العطاء الاستراتيجي: طويل الأمد ويحقق تنمية حقيقية.
الحاجة إلى التخطيط والإدارة العلمية
النية الطيبة لا تكفي. فالعمل الأهلي الناجح يحتاج إلى:
· تخطيط استراتيجي.
· إدارة علمية.
· قيادة متمكنة.
وكثير من المشروعات الخيرية تفشل رغم صدق النوايا بسبب غياب هذه العناصر.
توصيات عملية للمنظمات الأهلية
1. الاستثمار في تأهيل القيادات الشبابية بالمهارات الإدارية والقيادية.
2. تبني منهجيات التخطيط الاستراتيجي بدلًا من ردود الفعل الانفعالية.
3. التركيز على العطاء المستدام عبر المشروعات التنموية طويلة الأجل.
خاتمة
القيادة والإدارة ليستا مجرد مهارات، بل هما واجب شرعي ومطلب حضاري. فالنهضة بالمجتمعات تبدأ من تحويل الجهود العشوائية إلى عمل مؤسسي منظم، يقوم على رؤية واضحة وقيادة فعالة.
وكما تقول القاعدة الشرعية:
"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب."
فإذا كان إصلاح المجتمع واجبًا، فإن القيادة والإدارة الفعالة وسيلة لا غنى عنها. لذلك، يجب على كل من يعمل في المجال الأهلي أن يجمع بين النية الصالحة والعلم النافع ليكون عطاؤه مستدامًا ومؤثرًا.