المنظمات الأهلية والنفاذ إلي إفريقيا
بقلم أ. محمد ممدوح يشتعل العالم منذ عقود، بالتنافس والصراع الاقتصادي، بمحاولات القوة الإقليمية والدولية فرض هيمنتها، وبسط نفوذها الاقتصادي، على المناطق التي يتواجد بها احتياطيات اقتصادية عالمية من الموارد الطبيعية، وخاصة مصادر الطاقة والتي تعتبر المتحكم الرئيسي في الاقتصاد العالمي. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط عامة، والقارة الإفريقية خاصة، ضمن المناطق التي تتصارع عليها القوى الدولية، لما تمتلكه من فرص استثمارية واعدة، و احتياطيات عالمية من الموارد الطبيعية، على رأسها مصادر متنوعة للطاقة، في وقت تقترب فيه تلك الاحتياطيات من الانتهاء بمناطق كثيرة من العالم، وهو ما يؤهل القارة الإفريقية في المستقبل القريب لأن تكون قبلة العالم الاقتصادية، لما تمتلكه من فرص استثمارية بعوائد اقتصادية كبيرة، ويشكل هذا الوضع السبب الرئيسي للصراع الدولي في الساحة الإفريقية، حيث تسعى القوى الإقليمية والدولية إلى تأمين حصولها على أكبر قدر من الفرص الاقتصادية بالدائرة الإفريقية. ويأخذ هذ الصراع والتنافس الاقتصادي الدولي، داخل إفريقيا، أشكال مختلفة لمحاولات الهيمنة، وأساليب بسط النفوذ، سواء باللجوء للقوى الخشنة، مثل الضغط السياسي أو العسكري، وهو ما نشاهده الآن في البحر الأحمر وشمال إفريقيا. أو اللجوء إلى القوة الناعمة، التي تستهدف التأثير الإيجابي في وجدان العقل الجمعي للشعوب الإفريقية، بتوظيف واستثمار الأنشطة الثقافية والعلمية والاجتماعية، لصناعة صورة إيجابية، حول دولة الهيمنة الباحثة عن التأثير. وتعتبر حالة "إسرائيل" في إفريقيا، مثال حي، لتوظيف القوى الناعمة في تحقيق الفرص الاقتصادية، حيث تتواجد "إسرائيل" داخل المجتمعات الإفريقية، على الصعيد الثقافي والتعليمي بل والرياضي أيضا، وتوظف ذلك التواجد في رسم صورة وجدانية حولها كدولة داعية للسلام، سواء لدى المواطن، أو لدى القيادات السياسية بإفريقيا، ما ييسر لها الحصول على أكبر قدر من الفرص الاستثمارية، في العديد من الدول الإفريقية. وخلال السنوات القليلة الماضية، تسعى الدولة المصرية إلي استعادة وتعظيم دورها الإقليمي، والدولي، وسط هذا الصراع، بين القوى الإقليمية والدولية، وتقاطع المصالح فيما بينهم، في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث ترجع أهمية إفريقيا للدولة المصرية إلى أنها تمثل استراتيجيا، الحديقة الخلفية لها، كما تمتلك فرص اقتصادية واعدة، وسوق استهلاك ناشئ، يمكن أن يساهم في تحقق قفزات اقتصادية للدولة المصرية، لو أمكن استثمارها جيدا، و تنتهج الدولة المصرية في طريقها نحو تعزيز تواجدها الإفريقي، تعظيم مصادر القوة الناعمة الممكنة لديها، بالإضافة إلى بناء علاقات اقتصادية متوازنة مع دول القارة الإفريقية، قائمة على المصالح والمصير المشترك لجميع الأطراف. ما نطرحه هنا ونسلط عليه الضوء، أن هناك موردا يمتلكه المجتمع المصري لم يتم توظيفه حتى الآن بشكل جدي، في تحقيق التأثير و جدانيا وثقافيا في المجتمعات الإفريقية، ألا وهي المنظمات الأهلية المصرية الوطنية، والتي تمتلك رؤية واضحة لمصالح الدولة المصرية، حيث يمكن لتلك المنظمات الأهلية أن تلعب دورا مؤثرا في ذلك المنحى، داخل المحيط الإفريقي في حالة توافر التنظيم والموارد لذلك، وبما تمتلكه من استقلالية وسهولة الحراك الإقليمي والدولي، بأن تمد أذرعها، للتعاون مع المنظمات الأهلية الإفريقية، و التواجد المجتمعي، والتأثير الاجتماعي الثقافي التنموي في إفريقيا، والمساهمة في صياغة صورة إيجابية حول الدولة المصرية، داخل المجتمعات الإفريقية، وتعزيز التواجد والمصالح المشتركة، بين المجتمعات الإفريقية والمجتمع المصري٠ إنه دور ليس بجديد على المنظمات الأهلية، فلقد لعبت الكثير من هيئات الإغاثة العربية، وهي منظمات أهلية بدول الخليج العربي، دورا مؤثرا في إفريقيا، بتعزيز التواجد العربي هناك - قبل أحداث ١١سبتمبر - كما لعبت منظمات أهلية دولية أمريكية، أو غربية، نفس الدور، داخل العديد من دول العالم الثالث، تحت مبدأ التقارب بين الشعوب، ونشر السلام الدولي، والعيش المشترك القائم على حقوق الإنسان، وتعزيز الحريات، فالتأثير الوجداني على الشعوب، ورسم الصورة الإيجابية، أحد المحفزات للحفاظ على المصالح المتبادلة بين الشعوب، بل والعمل علي تنميتها، وهو دور نتمنى أن تقوم به المنظمات الأهلية المصرية، ولو بشكل جماعي، وليست منفردة٠ ومن هذا المنبر، ادعو إلى تأسيس اتحاد أهلي، بين المنظمات الأهلية الكبرى بمصر، يستهدف مد أذرع العمل التنموى لإفريقيا، تحت مسمي الاتحاد المصري الإفريقي للسلام والتنمية المستدامة، والعمل من خلاله داخل الدائرة الإفريقية، دعما لمجهودات وخطط الدولة المصرية في إفريقيا، وبناء صورة إيجابية حول الدولة المصرية، لدى المواطن الإفريقي، وتعزيز الحوار المجتمعي المصري الإفريقي.